أديب – المؤلف

​​في عَالمٍ أفُقه رَحِب، مَداهُ شاسِعٌ، لا نِهايَة لحُدود أرضِه وسَمَائه، الأزمانُ والأماكنُ فيه مُجرّد رِحلة لمْ يبدأ مَسيرها أحدْ، إلى أنْ أنجَبت الحَياةُ خَيال، شَابٌ زَيَّن بالإبدَاع عَقلَه، يَسرد الرِوَايات وَيقصُّ الحِكَايات، وبهَدوءُ عَينيهِ يَنسج أولى القِصص، إلّا أنّ جُذورها اِمتدَّت في كلّ أيّامِه، فبَات المِقَصّ وَسيلته والإبدَاع قُدرَته ورَسمُ الشَخصِيات حِرفَته؛ يُشكّلها بِإتْقَان ... فتنبض بالحياة ... لتَعبُرُ الزَمَان والمَكَان ... إلى المالانِهَاية.

أنيس - صانع الكتاب

أعَلى قمم الجِبال العالية التي تُحِيطها السُحب المُحمّلة بالأمطَار وأصَداء الرَعد العَظِيمة والعَواصِف الشَّدِيدة وتَشكو قِلة المَخلوقات فيها، كانَت تَصطفّ مَجموعةٌ مِن القُرى الصَغيرة بِجانب بَعضها، تعيشُ حياةً مُظلمة رُغم ضُوء الشُموع، إلّا قَرية وَاحِدة، كانَ يَصلُها ضُوء الشَمس والطُيور تسكن أعَشاشَها ويَشدُو الأطْفالُ بِألحانِها، إلَى أن قرّرت القُرَى مَعرِفة السِّر، فوَقَفَتْ عَلى أسوَارِها ووجدت مِنهم من يصنع ورقًا لَيس كمِثْله وَرَق، ومِنهم مَن يصنع حِبرًا سِحريًّا ومنهم مَن يرسمُ بأداةٍ لَم يسبِق أنْ رَأوا لها مَثيل، ومِنهم مَن عَاد مِن رحلَة شَاقّة وآخر يُدوِّنُها، والحُروف والكَلِمات يَجمَعها ويُرتّبها في كِتَابٍ غانم، رجلٌ شَديدُ الفِطنَة والدَهَاء؛ لمَاذا كلّ هذا الجُهد في صِنَاعَتِها؟ تَساءَل أهلُ القُرى، إلى أنْ أنهَى غانم كتابًا فبَعَثَ بِهَالة مُضيئةٍ تمّدّدتْ وسَمَت عَاليّا لتُبدّد عَتمَةً كانَتْ تُحِيطهُم، فتظلّ بكُتبهم مُشرِقةً أرضهُم ...

خالِد – المصمم بالحِبر

يَرتحِل شَخصٌ في صَحراء شَاسعةٍ بَاحثًا عَن وَاحةٍ يَستريح فيها ويَستَقي مِنهَا، فَيجولُ فِي ذهنِه تَشابُه كُلّ ما يراهُ مِن حَولِه، كأنًّهُ يَنظُر إلى اِتجَاه وَاحد أو فِي وَرقة بَيضَاء، وَفجأةً بينَما هوَ سَائرٌ يتأملُّهَا، تَسحَبُ قدميه الكُثبَان الرَمليَّة، وَتُلقِي بِه في عَالم يَزخَرُ بالعَجَائِب، حَيثُ يَجد رَجَلًا اِسمُه خالِد ذَا لحيَةٍ وَشَارِبينِ يُزيِّنانِ وَجَهه الذي يَبعَثُ عَلَى الوَقَارِ والحِكمَة، يقومُ بِصُنِع وَاحاتٍ سَاحِرة ويُرسِلها مَع الكُثبَانِ الرمليِّة مَرةً أُخرَى إلى الصَحرَاء، ليُغذيَ الصحراءَ بخيالِه المُبدِع وتَنبِض بالحَيَاة، كالحرُوفِ والكَلمِات فِي وَرقةٍ بَيضَاء ... الحِبرُ مُبدِعُها.

طيف - الكاتبة

فِي فضَاءٍ كَونيٍّ شَاسع، المَجرَّاتُ والنجومُ تُضيءُ أُفقَه .. أنجَبتِ الحَياةُ طَيْف، مَخْلوقةٌ أرَادَ قَلبُها بُلوغَ المُستَحَيل، فَباتَ قَلَمُها صَديقَ العُمْر تَنسجُ بِه مِن القصَص أعذَبهَا، لَكِن في أعمَاقِها .. اِبتغَت شَيئًا أبَعدَ مِن ذَلك، شَيئًا تَعبرُ بِه العَوالمَ، لتُضِيئهَا بنورِ الكَلمات .. فَجعَلَت مِن الكِتابَةِ طرِيقَها، تَنسِجُ بِها الحُروفَ بانسِيَابيَّة بَالِغَة .. تُشكِّل بهَا مَزيجًا مُتواصلًا مِن القصَص .. وَما طَابَ مِن الحِكَايات، وَشَخْصِيَّاتها تَجُوب الأَزْمَان، لِيبقَى لَحْنُهَا يَتَرَدّدُ فِي كلِّ الأكَوَان ... حَتَّى المالَانِهَايَة.

نور وضياء - شعلة الكلمات

كَشمسٍ وَقَمرٍ يُضِيئانِ الرِحَاب، وُلِدَ ضياء ونور، كَبهجةِ رَبيِعٍ تَقتَات أزْهَارًا ... كَانا يَفتَحانِ فِي كلٍّ يَومٍ بابًا ليَتعلّمَا شَيئًا جَديدًا، يُطِلّانِ مِنْهُ علَى كُنوزِ الأَزْمَان، يُغذّيَانِ شَغفَهما بالاطَّلَاع، حَتَّى اِشتدَّ عُودُهمَا، وصَقلَا ذَكاءَهما وقوَّيَا حُجَّتَهما، وَبَاتَتْ المَعرَفِةُ شُعلَةً يَحمِلَانِها تَزدَادُ تَوهُجًّا كُلَّما وطَأت أَقدَامهما أَرضًا جَدِيدة .. كانَا يُدرِكانِ أنّها لَيسَت أيَّامٌ وَتَمضِي، بَل مَصِيرٌ اِخْتَاراهُ يَستَفِيضَانِ بِه سُرُورًا، فَمهمَا تَوالَت الأيّامُ والسِنين، لَنْ يَنطفِئَا ... سَيَكُونانِ سِرَاجًا لِمَن يَبحَثُ ذَاتَ يَوْمٍ عَن بَابٍ يَفتَحُه.

ديما – تساقط الكلمات

لا يَلمِس شيءٌ رُوحهَا إلّا أشرَق وَأزْهر، تَجوبُ الزَمَان وَالمكَان، تَدُقّ الأبوابَ، وتطُوفُ السَماء، تَندَفع كُلّ يَومٍ بِغزارَة، إِلَى أَن مرّت دِيمَة .. بِقَريةٍ أهلُهَا لَا يَقرَؤُون، بَاتَت أرضُهم قَاحِلَة يَشكُو فِيهَا الرَبيعُ قِلّة الزُهُور، تَعتَري منازِلَهم الشُقُوق، يَعيشُون حَياةً وَاحِدة، بَاهتة، يُناجُونَ الغَيْمَ حُسْنَها وعَطاءَها، فَسَمَت دِيمَة عالِيًا فِي الأُفُق، وتَشكّلَت كغيمَةٍ سِحرُ الكَلماتِ فيهَا مَكنُوزٌ، تُمطِرُ عَلَيهم مِن وَدقهَا، تَتناثرُ فِي أصْدَاعِ أرْضِهَا تِلكَ الكَلمات، وتُنبِتُ ما طَابَ مِن كُتِب العِلمِ والرِوايات، فتَرْوي ظَمأ البَاحِثِين، وتُنيرُ عُقُولَ الحَالِمين، فَبِالكَلِمات .. الدَار تُزهِرُ ويَعبُرُ الضُوءُ الشُقُوق، فغَدَت قَريَتُهم بَعد حُلمٍ جَنّةً خَضْراء ... كَوَهجٍ أبَدِيّ يُنيرُ العَالم.