يُطلق معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2022، برنامجاً جديداً يخصصه لشخصية محورية أثرت بشكل كبير في مجالات الثقافة والفكر والمعرفة والإبداع وغيرها، وأثرت حياة الناس بشكل ملموس، ليكون البرنامج بمثابةً مساحة ثرية للإبحار في عوالمها، والوقوف عند نتاجها، تذوقاً وتحليلاً وقراءة ونقداً، حسب طبيعة ونوع ونطاق هذا النتاج.
اختار معرض أبوظبي الدولي للكتاب، عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الشخصية المحورية لدورته الحادية والثلاثين، حيث كان الرجل الذي فقد بصره في سنوات حياته الأولى، صاحب بصيرة تجلى بنورها نتاج لطالما أُثريت به العقول، وانشغلت بأثره القلوب والأفهام، في مختلف أنحاء الوطن العربي.
ويتضمن برنامج الشخصية المحورية الذي يأتي تحت عنوان: "طه حسين.. الكتاب بصيرة" 4 ندوات، تغطي أبرز جوانب تجربة الدكتور طه حسين الفكرية والثقافية والأدبية يتناولها أعلام الفكر والأدب من مختلف أنحاء العالم العربي، وتأتي تحت عناوين: طه حسين: بصيرة العقل، وطه حسين ناقداً ومفكراً، وطه حسين عميداً للأدب العربي، وطه حسين والتنوير.
كما يتضمن البرنامج مقالاً يومياً في النشرة اليومية للمعرض، وإقامة جناح الشخصية المحورية، والذي يشتمل على عرض لجوانب من شخصية طه حسين في رحلة تلقي الضوء على أبرز محطات مسيرته وإنجازاته الثرية.
لا يسهل تصنيف صاحب الشخصية المحورية الأولى لمعرض أبوظبي للكتاب، وهو المعروف بلقب عميد الأدب العربي، غير أن إسهاماته حققت تأثيرات مهمة ورئيسية في مجالات الفكر والنقد والمعرفة، والصحافة وغيرها، ليكون الرجل الذي فقد بصره في سنوات حياته الأولى، صاحب بصيرة تجلى بنورها نتاج لطالما أُثريت به العقول، وانشغلت بأثره القلوب والأفهام، بعدما أصبح في عصره والعصور التالية، شاغل النقاد والأدباء والمفكرين، ودليلاً على درب، سلكه تلامذته، ومن نهموا من ميراثه المتمثل في مكتبة ثرية من المؤلفات والكتب القيمة لا تزال تبوح بأسرارها المئات من رسائل الدكتوراه والماجستير والدراسات المهمة التي تقام حولها.
تتحقق ثلاثية "إلهام.. إبداع.. إثراء"، التي تعكسها مختلف فعاليات معرض أبوظبي الدولي 2022، في تكوين عميد الأدب العربي طه حسين، كأبلغ ما يكون التحقق، فهو الملهم الدائم لأجيال الأدباء والنقاد والدارسين الجادين، فالطفل الكفيف الذي أرسله والده لحفظ القرآن في كُتّاب مسجد القرية، أصبح مبتعثاً لجامعة مونبلييه الفرنسية، قبل أن يحصل على شهادة الليسانس في الآداب من جامعة السوربون الفرنسية، ويتعمق في دراسة اللغة اللاتينية، والأدب الفرنسي، والتاريخ، الذي عاد لتدريسه أستاذاً في ذات الجامعة المصرية التي شهدت تخرجه الجامعي الأول، ليصبح بعدها أول عميد مصري لكلية الآداب، وأول مديراً لجامعة الإسكندرية التي ساهم في تأسيسها، ووزيراً للمعارف، حيث أقر لأول مرة مجانية التعليم في بلاده، وأسس جامعة عين شمس العريقة.
طه حسين المبدع لم يثنه مهام العمل الرسمي في أي من مرحل حياته، عن ممارسة الإبداع، ولم تتغول أدوات الناقد لديه، على جوهر المبدع، وهو ما يفسر خصوصية نتاجه الأدبي، الذي أصبح بمثابة نهج ومدرسة وأسلوب واتجاه أدبي قائم على ملامح تجربة طه جسين الإبداعية.
ربما لم يعرف التاريخ الأدبي تجربة يمكن أن توصف بـ"الثراء"، بقدر تجربة طه حسين، بل إن حضوره وتأثيره لم يقتصرا على أنصاره، أو خصومه، أو مجايليه، ليشمل كذلك الأجيال اللاحقة، وهو الذي استفاد من أطياف شديدة التنوع في المشهد الثقافي والأدبي والأكاديمي، شكلت جميعها شخصية الأديب المثقف والناقد الحاذق، والكاتب المتفرد، الذي قال عنه عباس محمود العقاد: "رجل جريء العقل، مفطور على المناجزة والتحدي".